عرض مشاركة واحدة
قديم 30-08-2009, 10:58 PM   #1
معلومات العضو
راعي الديره
عضو فعال فى منتديات البدارين
إحصائية العضو







آخر مواضيعي
افتراضي برالوالدين بعد وفاتهما

بر الوالدين له صورٌ كثيرة، نذكر منها الإحسان إليهما، والقيام بحقوقهما، والتزام طاعتهما، واجتناب الإساءة إليهما، وفعل ما يرضيهما، إلا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حرامًا، فإنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.

ومنْ برّ الْمرء لأبيه وأمّه أنْ يوقّرهما ويحترمهما في كلّ موقفٍ، فعن السيدة عائشة - رضي الله عنها- قالتْ: أتى رسول الله رجلٌ ومعه شيخٌ، فقال له: "منْ هذا الذّي معك؟". قال: أبي. قال صلى الله عليه وسلم: "فلا تمْش أمامه، ولا تجلسْ قبله، ولا تدْعه باسمه" [الطبراني في الأوسط].

وعنها- رضي الله عنها- قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما برّ أباه من حدّ إليه الطّرف" [الطبراني وابن مردويه]. وحدّ إليه الطّرف أي: نظر إليه بغضبٍ، وإنْ لمْ يتكلّمْ.

وبر الوالدين من أهم العبادات بعد الصلاة، ومن أحب الأعمال إلى الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة علي وقتها. قلت: ثم أيّ؟ قال: برّ الوالدين. قلت: ثم أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"[متفق عليه].

وقد جاء برّ الوالدين قبل الجهاد في سبيل الله وفي ذلك تعظيمٌ من الله لبرّ الوالديْن. بل إن بر الوالدين كان مقدم على الهجرة في سبيل الله، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ « ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا ». رواه أبو داود والنسائي، وقال الشيخ الألباني: صحيح.

وفي القرآن الكريم جاءتْ توصية الابن بالوالدين وبرّهما في أكثر منْ آيةٍ مقرونةٍ بعبادة الله تعالى، والنهي عن الشّرْك، وقد قرن شكره تعالى بشكرهما: {أن اشْكرْ لي ولوالديْك إليّ الْمصير } [لقمان: 14].

يقول كعب الأحبار- رضي الله عنه-: إنّ الله ليعجّل هلاك العبد إذا كان عاقًّا لوالديه، ليعجّل له العذاب، وإن الله ليزيد في عمر الرجل إذا كان بارًّا بوالديه، ليزيده برًّا وخيرًا، ومن برّهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا.

وقال التابعيّ الجليل مكْحولٌ- رحمه الله-: برّ الوالديْن كفارة الكبائر، ولا يزال الرجل قادرًا على البرّ ما دام في فصيلته منْ هو أكبر منه.

ومنْ فضل برّ الوالدين أنّه يكون سببًا في برّ الأولاد لآبائهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "برّوا آباءكمْ تبرّكمْ أبناؤكمْ" [الطبراني].

ويحكى أنّ رجلاً كان يطعم والده المسنّ في إناءٍ من الخشب، فسأله ابنه عن السّبب، فقال له: لأنّي إذا أطعمته في إناءٍ صينيٍّ كسره، فقال له ابنه: إذنْ يا أبتي سأحتفظ بهذا الإناء الخشبيّ حتّى أقدّم لك طعامك فيه عندما تكبر وتكون في سنّ جدي.. ومن يومها أصبح ذلك الرّجل يبرّ أباه ويطعمه أشْهى المأكولات؛ لأنّه أدْرك أنّ الجزاء منْ جنْس العمل.

والآن هذه فرصتنا للبر، بل وللمغفرة، فاغتنموا الفرصة فربما لا تعود، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ أبويهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ». صحيح مسلم- (6674) البر والصلة و الآداب باب (3).

والآن- أخي نادر- نعود ثانية لموضوع استشارتك، وهو البر بعد الموت، فمن رحمة الله بنا أنه لم يغلق في وجهنا أبواب رحمته، بل فتح لنا أبوابه الإنابة والتوبة على مصراعيه، وأتاح لنا من الفرص الكثيرة للعودة إلى طاعته، وحتى بعد وفاة الوالدين أعطانا فرصة لبرهما، فما أرحم الله بنا!

والآن نستعرض ما يمكن عمله للبر بالوالدين بعد موتهما:

1- صلة أصدقائهما: عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ أحَبَّ أنْ يَصِلَ أبَاهُ فِي قَبْرِهِ فَلْيَصِلْ إخْوَانَ أبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ". رواه أبو يعلى وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع.‌ برقم: (5960)، (من بعده) أي من بعد موته أو من بعد سفره.

2- التصدق عنهما: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّىَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». متفق عليه. افتلتت نفسها: أي تُوُفِّيَت فجأة.

قال النووي: وهو نص صريح في جواز، بل سنية، التصدق عن الميت.

وفي صحيح مسلم باب عنوانه: وصول ثواب الصدقات إلى الميت.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا فَقَالَ «نَعَمْ». قَالَ فَإِنَّ لِي مَخْرَفًا وَإِنّي أُشْهِدُكَ أَنِّى قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا. أبو داود- الوصايا، وصححه الألباني.

(فإن لي مخرفًا) بفتح الميم الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما.

(فأشهدك) بصيغة المتكلم من الإشهاد.

(به) أي بالمخرف (عنها) أي عن أمي.

3- قضاء الدين عنهما: عن عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ- رضي الله عنه- أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّىَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ إِنَّ أَبِى تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلاَ يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لاَ يُفْحِشَ عَلَىَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ « انْزِعُوهُ ». فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِىَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ. البخاري- المناقب.

4- تنفيذ وصيتهما: ما لم تحتوي على أمر مُحَرَم، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم « أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ- أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِى- أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا- فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ. قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ- أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ- عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي- أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِي- فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا » فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّى، فَفَعَلُوا ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُنْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ. قَالَ اللَّهُ أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ قَالَ مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ قَالَ فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا. رواه البخاري- في باب: قول الله تعالى: {يريدون أن يُبَدِّلوا كلام الله}.

(لم يَبْتَئِرْ، لم يَبْتَئِزْ) كلاهما بمعنى: لم يدَّخِر.

(إن يقدر الله عليه) أي يبعثه يوم القيامة على هيئته.

(اسحقوني) من السحق وهو أشد الدق.

(فَاسْحَكُونِى، وفي رواية فاسهكوني) كلاهما بمعنى فَتّ الشيء، أو دقه، وهو السحق.

(عاصف) شديد الريح.

(وربي) أي جعلهم يقسمون بربهم على العهد أو هو قسم من المخبر عنهم.

(فرق) خوف.

(تلافاه) تداركه برحمته.

5- الصلاة والدعاء لهما:عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّىَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ». صحيح مسلم- 34 المقدمة باب (5).

6- الحج عنهما: عَنْ أَبِى رَزِينٍ- قَالَ حَفْصٌ فِي حَدِيثِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرٍ- أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى شَيْخٌ كَبِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلاَ الْعُمْرَةَ وَلاَ الظَّعْنَ. قَالَ « احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ ». أبو داود- المناسك، الترمذي- الحج.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ النَّحْرِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِى الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْكَبَ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ « نَعَمْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ قَضَيْتِيهِ ». ابن ماجه- المناسك.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ حُجِّى عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ ». قَالَتْ نَعَمْ. فَقَالَ « فَاقْضُوا الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ » البخاري.

7- الصوم عنهما: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ: « لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى». أبو داود- الأيمان والنذور، وقال الشيخ الألباني: صحيح.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ- رضي الله عنه- قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ- قَالَ- فَقَالَ:« وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ « صُومِي عَنْهَا ». قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « حُجِّى عَنْهَا». رواه مسلم- في باب الصيام.


اللهم ارحمهم واعفو عنهم وادخلهم في جناتك جناتاً نعيم يا ارحم الراحمين استجب دعائنا ودعاء المسلمين اللهم امين ...








راعي الديره غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس