السعودة وأزمة المعاهد الصحية .. ما موقف وزارة العمل؟
د. عبد العزيز الغدير
تعتبر الفرص الوظيفية التي يوفرها القطاع الصحي, خصوصا الوظائف الطبية الفنية, من الفرص الوظيفية التي تلائم أفراد المجتمع السعودي من جهة المستوى الوظيفي والراتب والقبول الاجتماعي، وبالتالي فهي فرص يجب علينا أن نسعى إلى سعودتها بأعلى نسب ممكنة في القطاعين الحكومي والخاص, خصوصا أن منشآتنا الصحية أصبحت مراكز تدريب للفنيين الوافدين الذين يتدربون فيها على أحدث الأجهزة والمعدات الطبية لتكون لهم شهادة مرور للدول المتقدمة.
إذن نحن أمام ثلاث مشكلات, الأولى بطالة أبنائنا وما يترتب عليها من نتائج وخيمة، تكلفة تدريب العمالة الطبية الفنية دون تحقيق مبدأ الاستدامة، وخروج مليارات الريالات سنويا من قبل هذه العمالة دون فائدة تذكر لمصلحة الاقتصاد السعودي، والحل الأمثل في سعودة هذه الوظائف، والسعودة المطلوبة ليست استبدال وافد بسعودي بل استبدال وافد بسعودي على الدرجة نفسها من الكفاءة إن لم يكن أكثر منه كفاءة.
بالنسبة للقطاع الحكومي الكفاءة الإنتاجية مربط الفرس، وبالنسبة للقطاع الخاص الكفاءة الإنتاجية والتكلفة عاملان على الدرجة نفسها من الأهمية. وزارة الصحة وبداعي الحرص على صحة المريض وسلامته أصدرت قرارا قالت فيه إنها لن تقبل خلال ثلاث سنوات خريجي المعاهد الصحية من حملة الدبلوم, ذلك أن جودة الخدمات المقدمة للمرضى والمراجعين مطلب ابتداء، بغض النظر عن وجود الأخطاء الطبية من عدمه, وأن القرار يستهدف رفع جودة الخدمات المقدمة للمرضى والمراجعين، إضافة إلى رفع كفاءة الخريجين والتقليل من الأخطاء الطبية, وهو تبرير لا يمكن لأحد أن يرفضه أو يعترض عليه.
لن أدافع عن الطلبة الذين يدرسون في المعاهد الخاصة، ولن أدافع عن هذه المعاهد التي استثمر فيها ملاكها الملايين، ولن أدافع عن قرار وزارة الصحة, ذلك أن دفاعي سيكون عن القوى العاملة السعودية التي تريد أن تعمل وتتخلص من شبح البطالة, ودون شك الفرص الوظيفية في مجال الخدمات الطبية الفنية كبيرة ويمكن أن تصل إلى أكثر من نصف مليون فرصة جديدة خلال الـ 20 سنة المقبلة, وأبناؤنا أحق بها مهما كانت الأعذار والظروف، ونريد حلا لذلك وفي أسرع وقت ودون مماطلة حتى إن كان التدخل من أعلى المستويات, حتى إن كانت الحلول على حساب المال العام, لأن أبناءنا يستحقون أن نصرف عليهم من المال العام.
لا أخفيكم, وأنا أعمل في الحقل الطبي, أن مخرجات هذه المعاهد ضعيفة من عدة جهات سواء على مستوى السمات العامة وثقافة العمل أو على المستوى الفني معرفيا ومهاريا، ولا أخفيكم أيضا أن ثقافة العمل السائدة بين أبنائنا ثقافة ضعيفة أيضا لأسباب عديدة ليس المجال هنا لذكرها، ولا أخفيكم أن الوافدين أكثر التزاما واحتراما وتشبثا بالعمل لظروفهم الصعبة في بلدانهم ولما سيكون عليه مستقبلهم حال نجاحهم في إتقان عملهم، أيضا ثقافة أو نقل الرغبة في التعلم لدى معظم أبنائنا ضعيفة, والدلائل أيضا كثيرة وكأنهم يدفعون للتعلم دفعا, وأعتقد أن الجرع الكبيرة من التعليم أفقدتهم الرغبة في التعلم.
لكن لا أخفيكم أيضا أن هذا المخرج السعودي هو مخرج الأسرة السعودية والمدرسة السعودية والمجتمع السعودي والإعلام السعودي (الإعلام بدأ ينقص دوره لمصلحة الإعلام الفضائي)، وعلينا ألا نرمي هذا المنتج في الشارع ونحمله ضعفه ونقول له أنت مخرج لا تصلح للعمل في القطاع الصحي لأنك ستضاعف الأخطاء الطبية، نعم علينا أن نجد وسائل لمعالجة وتطوير هذا المخرج ليكون قويا وقادرا على العمل بكفاءة عالية، وأعتقد أن المشكلة هنا ليست مشكلة وزارة الصحة فقط.
نعم أعتقد أن هذه المشكلة يجب أن تختص وزارة العمل في معالجتها بالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي ووزارة التجارة وهيئة التخصصات الطبية وكل جهاز حكومي ذي صلة، وأن تكون المعالجة على مستويين، الأول: معالجة سريعة لمن هم علقوا بين المعاهد الصحية ووزارة الصحة، والأخرى: معالجة لآليات وطرق قبول المتقدمين وتأهيلهم واختبارهم, وأيضا يجب أن تكون هذه المعالجة في أسرع وقت ممكن حتى لا يكثر العالقون ونخسر أبناءنا ونعض أصابع الندم.
وأود هنا أن أؤكد أهمية التركيز على إعادة تشكيل ثقافة وسمات المنتسب للمعاهد الصحية من جهة منظومة قيمه ومبادئه ومفاهيمه تجاه العمل الطبي وتجاه المريض وتجاه الإنتاجية والطموح والعطاء والتضحية وتطوير وتنمية الذات المستمرة لملاحقة الأجهزة الطبية الحديثة وأساليب الفحص وغيرها, خصوصا أن متوسط عمر الأجهزة الطبية حاليا لا يزيد على ثلاث سنوات وتضطر الجهات الصحية إلى تحديثها، نعم يجب أن ترسخ هذه الثقافة في نفوسهم, إضافة إلى المعارف والمهارات الفنية, وعلينا أن نعرضهم للامتحان كل بضع سنوات لتجديد تراخيص عملهم حفاظا على صحة المرضى, الذين هم أيضا أبناء الوطن.
ختاما أود أن أؤكد أننا أمام ضرورة ملحة وهي تنمية الفرص الوظيفية من جهة وتوظيف أبنائنا فيها, وأن الأعذار مهما كبرت فإننا أمام مسؤولية لا يمكن التخلي أو التغاضي عنها, وعلى وزارة العمل أن تتدخل لحل هذه المشكلة وأن تتحمل مسؤوليتها ولا تأخذ موقف المتفرج على اعتبار أن المشكلة بين وزارة الصحة والمعاهد الصحية وطلبتها, ذلك أنها الجهة الرئيسة المسؤولة عن توظيف أبنائنا وعليها أن تمسك بزمام المبادرة وتنهض بدورها وتقول كلمتها وأن تحل المشكلة من جذورها وعندها سنصفق لها ونهتف لها بملء أفواهنا شاكرين ومقدرين.